وبقي منها حطام انثي
المحتويات
غريب ..
ابتسم مجاملا .. واستدار بظهره ليعيد وضع آلة الكمان في مكانها ..
دنت منه وهي تنظر له بحماس ثم أثنت عليه برقة بلغتها التركية
أنت تعزف ببراعة !
لم يفهم ما قالته ولكنه استشف من طريقتها أنها معجبة بعزفه .. فابتسم لها بتهذيب وحرك رأسه بإهتزازة خفيفة ..
تابعت هي قائلة باللغة الانجليزية
أنت رائع !
أشكرك
ثم تركها وانصرف .. فظلت أنظارها معلقة به .. هي رأته من قبل .. ولكنها لا تتذكر أين ..
لكن هناك شيء ما به يجذبها بشدة إليه .. شيء جعل قلبها يدق بقوة في حضوره ..
بدت مألوفة نوعا ما هو واثق أنه التقى بها ذلك الوجه الملائكي ذو الأعين الزرقاء والخصلات الذهبية ..
من فضلك انتظر !
نظر له مالك بإستغراب وقطب جبينه نوعا ما وهز رأسه في عدم فهم ..
تابع الرجل قائلا بإهتمام
سيدي نحن نقدر المواهب ونأمل أن نتناقش سويا في مسألة عملك هنا !
رد عليه مالك بعد أن استصعب فهم ما يقوله وهو يشير بيده
لمحه رفيقه نادر وهو يتحدث إلى أحد الغرباء فأسرع نحوه وتساءل بقلق
في حاجة حصلت يا مالك
أجابه مالك وهو يحرك كتفيه في حيرة
هو موقفني عشان يكلمني وأنا مش فاهم منه حاجة !!
تساءل نادر بجدية وهو يوجه حديثه للرجل باللغة التركية
ما اﻷمر هل هناك خطب ما
أنا من إدارة المكان وأريد أن أعرض على السيد العمل معنا فقد استمعت إلى عزفه وهو حقا يعزف ببراعة !
ارتفع حاجبي نادر في إعجاب وهتف غير مصدق
حقا ... أنا لا أصدق ما تقوله !
لاحظ مالك تبدل تعبيرات وجه رفيقه من الجدية للسعادة فتساءل بنزق
هو بيقول ايه
أجابه نادر بإبتسامة عريضة
عقد مالك ما بين حاجبيه في تعجب كبير وردد بذهول
اشتغل !
أكمل الرجل حديثه الجدي قائلا
أخبره أننا سندفع ما يريد من اموال تقديرا لموهبته
غمز له نادر وهو يترجم ما قاله الرجل بمزاح
ابسط يا عم هتسترزق
هز مالك رأسه بحيرة وهتف بنفاذ صبر
انا مش فاهم حاجة
أجابه نادر بهدوء واثق
وبالفعل أخبره رفيقه برغبة مدير المطعم في تشغيله ضمن الفرقة الموسيقية التي تعزف هناك وسيتقاضى مبلغا ماديا معقولا عقب كل حفلة ..
عاد هو إلى المنزل وهو يفكر مليا في ذلك العرض السخي بالعمل
هو بحاجة ماسة إلى أموال لينفقها على نفسه طوال فترة تواجده بتركيا فلا يوجد مصدر دخل ثابت له حاليا إلا وظيفته في الشركة وهو يريد أن يكون بحوزته سيولة مادية ..
لذلك قبل بالعمل مضطرا رغم اعتزاله للعزف بسببها ..
نعم فهي تذكره بحبه الجارف لها .. ..
لكنه مرغم على الحنث بوعده اﻵن .. ليس من أجلها ولكن من أجل نفسه ..
تنهد بآسى واتجه إلى حقيبته ليخرج تلك الصورة المطوية التي اكتشف وجودها مصادفة حدق فيها مطولا ثم حدثها بنبرة مريرة
مش هاضيع نفسي عشانك هنساكي وهاكمل حياتي ! إنتي كنتي فترة وانتهيتي !
............................
اتفق بعدها مالك مع مدير المطعم على الحضور في العطلة اﻹسبوعية للعزف .. أما في باقي أيام الأسبوع والخاصة بعمله في الشركة كان يبذل قصاري جهده لتحقيق ذاته وإثبات كفاءته ..
وخلال تلك الفترة استطاع أن يستغل موهبته في عزف أعذب اﻷلحان وأكثرها شجنا وتأثيرا فأصبح له جمهوره الخاص ..
.....................................
عرفت لانا أنه هو منذ رأته صبيحة اليوم التالي في الشركة ..
لم يكن وهما كان متجسدا أمامها ....
طيفه لم يفارقها للحظة هو أسرها بهالته الحزينة شيء ما به يدفعها للبقاء إلى جواره ..
ألحانه كانت إنعكاسا لما به هي واثقة من هذا ..
لم تتوقف للحظة عن التفكير فيه أصبح هو شاغلها الأكبر ..
وبدأت في التحري عنه بدقة ..
عرفت نوع وظيفته ومهامه وبدأت توليه الإهتمام دون أن يدري بهذا ..
......................................
لاحظ مالك وجودها المتكرر في الطاولة اﻷمامية خلال
حفلته الأسبوعية بالمطعم .. هي باتت معجبته الهامة بل الأهم على الإطلاق ..
دائما تطالعه بنظرات هائمة .. وهو دوما يبتسم لها بحزن ..
وكيف يشعر بها وهو جريح الفؤاد مكسور الروح ..
لقد عرف هويتها منذ اليوم التالي للقائهما ..
هي لانا ابنة رب عمله السيد سلمان ..
ولذلك حافظ على طبيعة حدود العلاقة بينهما ..
دائما ما كانت تحضر له باقة ورد بيضاء تقدمها له بعد انتهاء فقرته ..
فيشكرها بإمتنان وهي تطمع معه في المزيد ..
مرت الأيام وزاد تعلقها به رغم ثباته
على موقفه معها ..
لكنها لم تلتزم بالقواعد وحطمت العادات وأصرت على البقاء قريبة منه .. والتودد أكثر إليه ..
لم يتجاوز آداب الحديث معها لكنها كانت الأقرب إليه خلال تلك الفترة الموحشة ..
وبقلبها الطيب هونت عليه غربته .. واستطاعت أن تحفر مكانا لها في قلبه وعقله ..
لكن مازال هناك بقايا چرح حب الذي يحول دون شعوره بالسکينة ..
تعلمت الحديث بالعربية لأجله واجتهد ليتواصل معها بقليل من اللغة التركية ومزيج من الانجليزية والعربية ..
نال الاستحسان في عمله وحقق فيه نجاحا معقولا .. وأصبح معروفا بين أقرانه بالموظف العازف ..
...................................
وذات يوم تفاجيء بها عقب انتهائه من عزف تلك المقطوعة المميزة تطلب منه
مالك أريد
الزواج منك !
نظر لها مدهوشا لم يستوعب ما قالته بعد وظن أنها تمازحه لكنه وجد الجدية في ملامحها وفي إصرارها العنيد ففغر فمه ليقول
ماذا تتزوجين بي
حدقت فيه بنظرات عاشقة رومانسية وأومأت برأسها بخفة وهي تجيبه موضحة
نعم أنا أحبك مالك أنا أعشقك بكل جوارحي لا أستطيع العيش بدونك
رمش بعينيه غير مصدقا ما لفظه لسانها ..
هو متأكد من مشاعرها نحوه لكنه لا يكن لها أي مشاعر سوى الصداقة .. فحاول أن يثنيها عن رأيها وأردف قائلا
ولكني لا آآ...
قاطعته قائلة بعناد وهي تضع إصبعها على شفتيه لتمنعه من الحديث
أرجوك لا تقاطعني دعني أكمل !
هز رأسه بالإيجاب .. فابتسمت له بنعومة ثم تابعت بنبرة رقيقة
أنا أعشقك مالك منذ رأيتك وأنا أحبك لا أعرف كيف حدث هذا لكن أنت العالم بالنسبة لي ..
صمتت للحظة قبل أن تستأنف حديثها بنبرة شبه حزينة وقد لمعت عيناها
أعلم أن هناك جزءا منك لا يشعر بي ولكني لا أملك سلطان قلبي فهو قد اختارك أنت ليحبك !
عض على شفتيه متأثرا وهمس لها
لانا أنت فقط اعتدت على وجودي معك وآآ...
قاطعته قائلة بتنهيدة حارة
مالك أنا أحبك ألا تفهم ما أقول أحبك وكفى !
.................................
لم يستطع مالك أن يقاوم تلك المشاعر الصادقة فهو كان بحاجة ماسة إليها لتهون عليه الكثير ..
استجمع شجاعته وتقدم إلى خطبتها من أبيها السيد سلمان الذي أبلغه بموافقته قائلا بجدية
لم أكن لأوافق على زواجك بها لولا أني أراى سعادتها معك وإصرارها عليك فقط أنت أعدت البسمة إليها
شعر مالك بحجم المسئولية الملاقاة على عاتقه ورد عليه بهدوء
أعلم هذا سيدي
تابع سلمان قائلا بتحذير
مالك أنت تأخذ قطعة غالية مني بل هي كل قلبي فحافظ عليها !
أومأ مالك برأسه وهو يتعهد له
أعدك سيد سلمان أن أكون نعم الزوج لها !
حذره سلمان مجددا بنبرة شديدة اللهجة
إن قصرت في حقها أو أحزنتها يوما صدقني ستعاني الكثير !
ابتسم له وهو يرد بهدوء
لا تقلق سأوفر لها كل ما تريده
ربت سلمان على كتف مالك وقال مبتسما
أنت بالفعل شاب جيد لن أجد من أئتمن عليه ابنتي مثلك ولكن قبل أن تتزوجها عليك أن تعرف بمرضها !
رد عليه مالك بهدوء دون أن تطرف عيناه
السكري لقد أخبرتي لانا
مط فمه ليقول بتعجب
هي لم تخف عنك شيء !!
برر له مالك سبب معرفته بمرضها وهو يقول بهدوء
سيد سلمان لا تنس أني ساعدتك من قبل حينما فقدت الوعي في المصعد
هز سلمان رأسه بإيماءات ثابتة ومتكررة وهو يردد
أها أذكر ذلك اليوم التعيس لقد كدت أموت ړعبا عليها
ابتسم مالك وهو يكمل بجدية
اطمئن سأرعاها وأسعدها
رفع سلمان حاجبه للأعلى وهو يضيف
أنا واثق أنك ستفعل
لم يكن السيد سلمان ليعارض تلك الزيجة بعد تصريح ابنته له بحبها لمالك ورغبتها في الزواج منه ..
هي ابنته الوحيدة وسعادتها هي أسمى ما يصبو إليه
كانت مسألة تقدم مالك لخطبة ابنته رسميا ما هي إلا أمر صوري ليحفظ لها كرامتها لكنها لم تكن لتأبه بهذا .. هي تريده وتريد حبه ..
كذلك قام السيد سلمان بترقية مالك في منصب أعلى ليليق بوضعه الجديد واجتهد هو ليثبت أنه يستحق تلك الثقة الكبيرة ..
..........................................
وبالفعل في خلال شهرين كانت لانا تزف إلى زوجها مالك في نهار ذلك اليوم المشمس في تلك الحديقة الجميلة ..
سعادتها كانت لا توصف فهي ستكمل حياتها مع من اختاره قلبها ..
ارتدت خاتمه وظنت أنها ملكت قلبه .. لكنها كانت مخطئة ..
أكثر ما كان يؤلمه أنه لم يشعر بحبها الجارف إليه ..
كان يحترمها ولكنه لم يتمكن من
مبادلتها تلك المشاعر بصدق ..
مازال طيف الماضي يسيطر عليه ..
تلك التي تراه يبكي في صمت
ألتلك الدرجة كان يعشقها فلم يستطع أن ير حبها له
تحملت من أجله وبكت حزنا حينما كانت تختلي بنفسها ..
ألا يرق قلبه لها يوما
هو كان لطيفا مهذبا يعاملها برفق وحنية لكنها لم تشعر بدفء مشاعره ..
أرادت أن توطد وتعمق حبهما بشيء أخر..
أن تعطيه ما ينسيه آلام الماضي .. فقررت أن تخاطر بحياتها وتجازف بالحمل ..
لقد حذرها الطبيب مسبقا بعدم التسرع في مسألة الحمل لخطورته على صحتها ولكنها لم تهتم .. هي كانت تسعى لإرضائه والشعور بحبه الصادق إليها فقط ولو للحظات ...
..................................
كان يجلس شاردا في مكتبه و ممسكا بصورتها ..
وجوم وعبوس يسيطر عليه حينما يتذكر خيانتها له هو أحبها بكيانه وهي تخلت عنه ..
رأته لانا على حالته تلك فاعتصر قلبها آلما وتملكها شعورا بالقهر والعجز .. لكنها حافظت على ثابتها وأخفت ببراعة حزنها ورسمت ابتسامة سعيدة على ثغرها ثم هتفت بمرح
حبيبي مالك
انتبه لوجودها فأخفى سريعا الصورة في درج مكتبه ثم استدار برأسه ناحيتها ورد بصوت شبه متحشرج
لانا !
اقتربت منه وهي تقول بنبرة رقيقة
عندي لك خبرا سيسعدك
نهض عن مقعده وحدق بها بثبات وسألها بجدية
ما هو
ابتسمت قائلة بعبث
خمن !
مط فمه ليجيبها بإبتسامة مهذبة
مممم.. هل ربحنا الصفقة الأخيرة
هزت رأسها نافية وهي تقول معترضة
لا
سألها مجددا بمرح
هل سنأخذ عطلة
لكزته في كتفه برقة وهي تعاتبه
اوه كسول !
وتنهد بتعب وهو يردد
لقد فشلت هيا أخبريني حبيبتي !
أمسكت بكف يده الذي يحاوطها فاستسلم لمسكتها ووضعته على وجنتها لتشعر بملمسه الجاف على بشرتها الناعمة ثم أغمضت عيناها لتستمع بإحساسها المرهف ..
طالعها بنظرات غريبة وسألها متوجسا
ما الأمر لانا
فغر فمه مصډوما وشعر بيده موضوعة على بطنها فحدق فيها بذهول ثم رفع بصره لينظر نحوها بعدم تصديق ..
تابعت قائلة بنظرات دامعة
أنا حامل منك !
تنهد بعمق وتلاحقت أنفاسه بعدم تصديق .. وتحولت قسماته
متابعة القراءة