بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


إدارة محركها ليتحرك بها نحو وجهته متعمدا الإبطاء من سرعتها كي يتأكد من كفاءة عمل المحرك استعادت أسيف هدوئها وبدأت تتنفس بإنتظام حينما شعرت بحركة السيارة.
كورت أصابع كفها بحركة متوترة ثم مالت بجسدها للجانب نحو نافذتها حانت منها التفاتة سريعة للخلف وهي تطل برأسها منها لتتأكد من ابتعادهم عن ذلك الغاضب المتذمر في نفس التوقيت كان منذر واقفا على مقربة من منطقة غسل السيارات راقب للحظات حديث السائق مع أحد العاملين بها ضجر من وجوده بالمكان ومن ذلك الوقت الذي ضاع هباءا بلا أي جدوى.

أخرج هاتفه من جيبه ليعرف التوقيت فزفر منزعجا لتأخره عن وقته المحدد بكثير أعاد وضع هاتفه في جيبه ونفخ بغيظ مرددا من بين أسنانه
اتعطلت على الفاضي! 
الټفت برأسه للخلف عفويا للجانب ليحدق في السيارات السائرة فوقعت عيناه الثاقبتين مصادفة على سيارة الأجرة التي مرت على مسافة قريبة منه
بالطبع كانت السيارة مميزة لكونها تحمل مقعدا متحركا على سقفيتها علقت أنظاره بالنافذة الخلفية حينما لمح فتاة ما تجلس بالخلف أمعن النظر أكثر فيها فارتفع حاجباه للأعلى في صدمة واضحة.
تمكن منذر من رؤيتها كمرأى العيان وهي تمرق بجواره ناظرة إليه من نافذتها ارتسمت علامات الاندهاش الممزوجة بالتجهم على محياه تجمدت أنظار أسيف عليه وانفرجت شفتاها بذهول مخيف لقد رأها بالفعل وتأكد منها.
بدت كمن أصيب بالشلل المؤقت فعجزت عن التحرك أو الابتعاد تركت له الفرصة للتدقيق في ملامح وجهها أكثر وبالطبع لم تخلو نظراته نحوها من الشراسة والڠضب.
شعر منذر بالحماقة والغباء الشديدين فقد تمكنت تلك الطائشة من خداعه لوهلة ليبدو كالأبله أمام نفسه وأمام الأخرين وهو يبحث عنها بلا جدوى وها هي الآن تمر من جواره دون أن يتمكن من الوصول إليها.
سيطر عليه احساس بالفشل وخيبة الأمل.
قبض كف يده بعصبية شديدة وبرزت عروقه الغاضبة من عنقه.
زادت سرعة السيارة واختفى شبحه المرعب من أمامها لكن بقيت نظراته المحتدة عالقة في ذاكرتها تراجعت بجسدها للداخل وانكمشت على نفسها أكثر.
اضطربت أنفاسها وزادت دقات قلبها من خۏفها.
راقبها السائق من مرآته الأمامية وسألها مستفهما بفضول بعد أن لاحظ تبدل حالتها
في حاجة يا آنسة
التفتت حنان برأسها للخلف لتنظر إلى ابنتها بقلق بعد سؤاله الغريب هذا وسألتها هي الأخرى بتوجس
مالك يا أسيف في حاجة فيكي
وزعت أنظارها الزائغة بينهما وأجابت بصوت خاڤت وشبه متحشرج
م... مغص تاعبني شوية 
أكيد من أكل الشارع!
قالتها والدتها بحسن نية ظنا منها أن ابنتها ربما أصيبت بتلبك معوي بسبب تناولها الطعام الفاسد.
أضاف السائق بجمود
ألف سلامة لو قابلنا صيدلية في طريقنا ممكن أقف وتنزلي تجيبي دوا منها 
ابتلعت أسيف ريقها وهي تجيبه ممتنة
متشكرة شوية وهايروح
عاتبتها والدتها قائلة بضجر
قولتلك من الأول ماتكليش من برا محدش عارف الأكل بيعملوه إزاي وبيحطوا فيه إيه 
هزت رأسها بإيماءات خفيفة ومتتالية وهي تضيف بحذر
هابقى أخد بالي بعد كده يا ماما 
تابع السائق قيادته للسيارة حيث العنوان المطلوب بينما ظل بال أسيف مشغولا بشبح ذلك المخيف الذي أضيف إلى قائمة أسوأ كوابيس يقظتها.
أسندت عواطف صينية المشروبات الباردة وأطباق الحلوى على المائدة التي تتوسط غرفة الصالون هاتفة بنبرة مرحبة لضيفتها السيدة جليلة وابنتها الصغرى أروى
شرفتونا! البيت نور
بوجودكم فيه
ردت عليها جليلة مجاملة
منور بأصحابه يا عواطف 
تابعت عواطف قائلة بنبرة ودودة وقد اتسعت ابتسامتها المشرقة
اتفضلوا دي حاجة بسيطة صحيح مش من مقامك بس.....
قاطعتها جليلة مرددة بتهذيب
متقوليش كده دايما عامر يا رب!
ابتسمت عواطف أكثر وهي تقول
بحسكم يا غالية!
ولجت نيرمين إلى داخل الغرفة لترحب بالضيفة التي تعد في مثابة خالتها.
هتفت قائلة بحماسة
سلامو عليكم ازيك يا خالتي 
نهضت جليلة من مقعدها لترحب بها قائلة
وعليكم السلام ازيك يا نيرمين عاملة ايه يا حبيبتي 
احتضنتها بذراعيها ثم قبلتها من وجنتيها عدة مرات مرددة
الحمدلله!
سألتها جليلة باهتمام وهي تعاود الجلوس على الأريكة
اخبارك ايه وازي جوزك
اكفهرت ملامح وجه نيرمين وحل العبوس عليها وهي تجيبها متجهمة
متشوفيش وحش يا خالتي إحنا اتطلقنا وخلاص معدتش في راجعة بينا!
اتسع ثغر جليلة بشهقة عالية وردت پصدمة واضحة وهي محدقة بها
يا ساتر يا رب اتطلقتوا تاني! 
صححت لها نيرمين عبارتها قائلة بنبرة مزدرية
قولي تالت!
هزت جليلة فمها للجانبين مستنكرة حدوث الانفصال بينهما ثم تساءلت بفضول
طب ليه يا نيرمين
أجابتها بتنهيدة منزعجة وهي تشير بعينيها نحو الصغيرة الجالسة وسطهن
موال كبير هابقى أحيكهولك بعدين يا خالتي!
تفهمت جليلة رغبتها في عدم الحديث خاصة أن أروى تصغي إلى حوارهن بإنتباه كبير.
هزت رأسها إيجابا وهي تردد مواسية
ربنا يعوض صبرك خير!
أضافت نيرمين قائلة بسخط وقد انعقد ما بين حاجبيها ليزيد من حالة الوجوم المسيطرة عليها
الحمدلله على كل حال هو مايتبكيش عليه الصراحة!
اختنقت نبرتها قليلا وحاولت أن تحافظ على جمودها أمام ضيفتها.
أرادت جليلة أن تلطف الأجواء قليلا فهتفت بنبرة متفائلة وهي تشير بيدها
مافيش واحدة بتقعد بكرة ربنا يرزقك بالأحسن 
ابتسمت نيرمين لها قائلة بتصنع
ربنا موجود أخد حقوقي بس وبعد كده أشوف هاعمل ايه!
هتفت أروى قائلة بتهذيب وهي تبتسم لنيرمين
ينفع ألعب مع النونة يا أبلة
مسحت نيرمين على رأسها برفق مجيبة إياها بلطف
اه يا حبيبتي خشي الأوضة شوفيها لو صحت العبي معاها!
هبت أروى واقفة في مكانها مرددة بحماس
حاضر!
ثم ركضت إلى خارج الغرفة وهي تقفز بسعادة..
صاحت عواطف قائلة بإعجاب وهي تتابعها بأنظارها
ماشاء الله أروى كبرت وبقت عروسة أهي 
ردت عليها جليلة بتبرم
اه بس مدوخاني في مذاكرتها!
هزت عواطف رأسها بتفهم وهي تقول
كل العيال كده!
تحركت جليلة على الأريكة قليلا لتدنو منها ومالت بجسدها نحوها ثم هتفت بغموض وهي مسلطة بصرها عليها
ماهو ده الموضوع اللي جيالك فيه 
توجست عواطف من اقترابها المثير للريبة وسألتها بقلق ظاهر
خير يا ست جليلة
أشارت جليلة بيدها في الهواء وهي تجيبها بهدوء
بصي يا ستي أنا ابني دياب عاوز مدرسة تكون شاطرة وبتفهم تدي الواد ابنه يحيى!
لم تفهم عواطف مقصدها بوضوح بدت نوعا ما مشتتة التفكير فسألتها مستفسرة
أها بس ده ايه علاقته بينا
تابعت جليلة قائلة بابتسامة متحمسة
ما أنا جيالك في الكلام أهوو
طيب
ارتشفت جليلة القليل من المشروب ثم استأنفت حديثها قائلة بجدية
احنا كلنا عارفين إن بسمة شغالة مدرسة في أبصر مدرسة كده فبصراحة ملاقتش أحسن منها تديه الدرس وتذاكرله!
نظرت عواطف إلى ابنتها نيرمين مندهشة. فلم يسبق لعائلة حرب أن تطلب منها شيئا كهذا خاصة وأنهم يعلمون أن بسمة معلمة منذ فترة.
بدت نيرمين متحمسة للفكرة ولما لا فالعائد المادي هنا سيكون مجزيا ومختلفا تماما عن الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي تدرس لهم أختها الصغرى.
أضافت جليلة قائلة بمكر وهي تغمز بعينها
وبالمرة تدي أروى معاه الحاج طه كان عاوز يديها درس واطمني هنحاسبها كويس احنا كرما!
ردت عليها عواطف بنبرة مجاملة
يدوم العز يا رب دي تديهم ببلاش من فضلت خيركم علينا!
ابتسمت لها جليلة بلطف وهي تقول
الله يكرمك!
ثم تلاشت ابتسامتها نوعا

ما وهي تسألها بجدية
ها المهم ايه رأيك انتي
ارتبكت عواطف قليلا فهي لا تعرف رد ابنتها عن تلك المسألة المفاجئة لا تنكر أنها خشيت أن تعتبر الموضوع متعلقا بكرامتها إن أعطتها وعدا لا تستطيع الإفاء به وهي متوجسة خيفة من ردة فعل عائلة حرب إن أخلف أحدهم اتفاقهم المبرم معهم لذلك حاولت أن تبدو دبلوماسية في ردها عليها وأجابتها بحذر
مش عارفة الصراحة أقولك ايه الحكاية دي تخص بسمة وهي اللي تقول رأيها لأن انتي عارفة هي مشغولة يا حبة عيني لأخر اليوم!
ردت عليها جليلة بصوت ثابت
خليها تشوف مواعيدها كده وأهوو البيت قريب من البيت لا في مشاوير ولا پهدلة في المواصلات!
ثم تعمدت أن تشير إلى الناحية المادية مجددا حتى تتمكن من إغرائها بالموافقة فأكدت قائلة بجدية وهي تنتصب في جلستها
وزي ما قولتلك دياب ابني والحاج طه هيراضوها كويس!
لاحظت عواطف تحول اسلوبها للجدية والصرامة فهتفت بنزق
انتي تؤمرينا أنا هاكلمها وأخليها تشوف نفسها وتفضيلهم ميعاد مخصوص هي هاتيجي لأعز منكم!
ابتسمت جليلة لنفسها بغرور بعد أن وصلت لمبتغاها دون عناء وهزت رأسها هاتفة بثقة
تسلمي يا حبيبتي ده العشم بردك!
انتبه ثلاثتهن إلى صوت دق عڼيف على باب المنزل فاستداروا برؤوسهن نحو باب الغرفة.
تساءلت عواطف بامتعاض وهي تنهض من مكانها
ياختي مين اللي بيخبط على الباب كده
هزت نيرمين كتفيها نافية وهي تجيبها
مش عارفة!!!
أشارت لها أمها بيدها لتسبقها في سيرها قائلة بنبرة آمرة
روحي يا نيرمين افتحي!
ردت عليها باقتضاب
حاضر 
أسرعت نيرمين في خطواتها متجهة نحو باب المنزل لتفتحه عبست بوجهها حينما رأت شرطيا يقف على عتبته.
سألته بتوجس وهي تتفرس فيه وفيما يحمله من أوراق في يده
ايوه!
حدق فيها الشرطي بنظرات دقيقة متسائلا بجمود
ده بيت نيرمين سيد
خفق قلبها نوعا ما من سؤاله المباغت وردت عليه بتلهف
اه هو خير يا شاويش
رفع ورقة ما أمام وجهها مجيبا إياها بجفاء
ده إخطار من القسم 
مجرد ترديد كلمة مخفر الشرطة في جملة ما تثير خوف واضطراب أي شخص لذا لطمت نيرمين على صدرها مصډومة وهي تشهق متسائلة بفزع
قسم يا نصيبتي ليه
أجابها بنبرة رسمية
البيه المأمور عاوزك تستلمي عفشك!
ارتفع حاجباها للأعلى بذهول أغرب وهتفت غير مصدقة ما سمعته
عفشي 
أوضح الشرطي باقي عبارته قائلا بعدم مبالاة
طليقك سلمه عند القسم وباعتلك تاخديه امضي على الاخطار ده يا ست 
كزت نيرمين على أسنانها قائلة بغل وبصوت خفيض لاعنة زوجها السابق
ابن ال.......!!
وقفت والدتها إلى جوارها وسألتها پخوف وهي محدقة في الشرطي
في ايه يا نيرمين
أجابتها الأخيرة بتجهم كبير
المنحوس الفقري شايفة عامل ايه فيا
زادت دقات أمها بقلق أكبر واضطربت أنفاسها نوعا ما.
وضعت هي يدها عى ذراع ابنتها وضغطت عليه قليلا متسائلة بتلهف وهي تدقق النظر في وجهها
ماله
أجابتها بنبرة محتقنة للغاية
باعتلي عفشي على القسم 
شهقت أمها مصډومة وهي تلطم على صدرها بقوة
يالهوي 
صاحت نيرمين بنبرة مغتاظة وهي تلج لداخل صالة منزلها
منه لله حسبي الله ونعم الوكيل فيه أنا هالبس العباية وأروح أشوف النصيبة دي!
ردت عليها عواطف بإصرار
استني أنا جاية معاكي مش هاتروحي لوحدك
تابعت جليلة ما يحدث من موقف محرج في الخلفية واستشعرت عدم ملائمة الظروف لبقائها أكثر من هذا في المنزل وأنه من الأفضل إنهاء تلك الزيارة الودية على الفور لذلك هتفت بهدوء نسبي
طب يا عواطف هاسيبكم تشوفوا حالكم وهانتكلم تاني!
شعرت عواطف بالخجل الشديد من تعرض ابنتها لهذا الموقف المشين أمامها فأخفضت نظراتها حرجا وهي تردد
اعذريني يا ست جليلة أديكي شايفة الحال عامل ازاي 
ربتت جليلة على كتفها متفهمة موقفها وأردفت قائلة
عذراكي يا حبيبتي الله
يكون في العون!
ثم التفتت برأسها للخلف وهتفت بنبرة مرتفعة
بت يا أروى يالا عشان ماشيين 
ركضت الصغيرة نحو الصالة وعبست بوجهها وهي تحدق في والدتها بضيق وضعت هي يديها على منتصف خصرها وركلت الأرضية بقدمها قائلة بتذمر
ملحقتش يا ماما ألعب مع النونة!
أمسكت بها جليلة من ذراعها قائلة بحدة
مرة تانية يالا سلامو عليكم!
أوصلتها عواطف لخارج منزلها مرددة بإضطراب
وعليكم السلام!
أغلقت الباب بهدوء وتمتمت بحسرة مع نفسها
يادي الجرس والفضايح اللي
 

تم نسخ الرابط